يوم الأرض السعودي

30 مارس، 2012 | تدوينات | 0 تعليقات

الرياض

يوم الأرض الفلسطيني (30 مارس 2012م) هو يوم يحييه الفلسطينيون لتذكير العالم بأراضيهم المسروقة من قبل الإسرائيليين، وهو حدث هام في تاريخ القضية الفلسطينية دون شك، لكنه على أي حال ليس موضوع تدوينتي لهذا اليوم، وإنما وجدته مناسبة لتذكير المواطنين السعوديين بأراضيهم المسروقة والمحتكرة من قبل هوامير العقار (والسرقة هنا مجازية لحيازتهم الأرض دون مقابل) ، فبحسب الإحصائيات المتداولة فإن 80% من السعوديين لا يملكون أرضاً، وبالتالي لا يملكون سكناً يؤويهم.
يقول الخبير العقاري أيمن طارق جمال: “السعودية أقل دولة خليجية لديها نسبة تملك مساكن حيث يمتلكون ما نسبته 22 بالمائة، بينما نسبة تملك مواطني دولة الإمارات تبلغ 91 في المائة، وفي الكويت 86 في المائة”.
وقد ضج المواطنون في السنوات الأخيرة بالشكوى من حرمانهم من السكن، وطرح الخبراء والمحللون حلولاً عديدة لحل هذه المشكلة، ولكنها كلها تصطدم بواقع خرافي عجيب هو (ندرة الأراضي) داخل المدن، بحسب تصريح وزير الإسكان قبل أشهر.
ذلك أن 70% من مساحة هذه الأراضي الجرداء التي تقاس مساحاتها بالكيلومترات، مملوكة لأمراء ووزراء ورجال أعمال معدودين على الأصابع، أكثرهم لم يحصلوا عليها بعرق جبينهم أو بسعيهم المشروع للرزق، ولكنهم استولوا عليها بواسطة الهبات والإقطاعات، وبما أنهم ليسوا بحاجة لها فقد احتكروها وامتنعوا عن بيعها أو استثمارها، فأصبحت صحارى شاسعة داخل النطاق العمراني للمدن.
من الحلول التي تم تداولها فرض ضريبة على هذه الأراضي، لكي يضطر أصحابها لبيعها. لكن هذا الاقتراح اصطدم بالرأي الديني الذي يحرم فرض الضريبة في الإسلام. فلا توجد ضريبة في الإسلام، وإنما هنالك زكاة فقط.
لذلك اقترح آخرون فرض زكاة عليها بحسبانها من عروض التجارة، ونوقش هذا الاقتراح في مجلس الشورى، وتردد كثيراً الحديث في وسائل الإعلام عن قرب صدور قرار من وزارة العدل بتطبيق فريضة الزكاة على الأراضي البيضاء، غير أن وزارة العدل المسؤولة عن تطبيق مثل هذا القرار نفت نفياً قاطعاً أن تكون بصدد إصدار قرار حول الموضوع.
وجاء في صحيفة (الاقتصادية): “نفت وزارة العدل يوم الأربعاء الماضي في بيان تم إرساله إلى “الاقتصادية” وجود مشروع ناشئ لديها يتعلق بفرض زكاة على الأراضي البيضاء المعدة للتجارة، كما قالت الوزارة إنها لا تتوقع ارتفاع أو انخفاض أسعار العقارات، لأن هذا ليس من اختصاصها”. وهكذا ضاعت الاختصاصات بين الجهات المسؤولة، وبقيت مشكلة الأراضي معلقة ليست من اختصاص أحد.
الطريف في الموضوع أن الأدباء والمفكرين والنقاد، المتهمين عادة بعزلتهم عن هموم المجتمع، خاضوا هم أيضاً في بحر هذه المشكلة المعقدة وأشبعوها نقداً وتحليلاً، وكانت آخر هذه المحاولات التي لقيت صدى واسعاً في الإعلام، ما طرحه االناقد الدكتور عبد الله الغذامي في حسابه في (تويتر)، حيث أعلن عن (مبادرة مسكني)، وملخصها دعوة كبار ملاك الأراضي، أو الصالحين الأتقياء منهم، إلى التبرع بجزء يسير مما يملكون من أراض لمشاريع الإسكان.
وقد تبرع أحد الفضلاء بإنشاء موقع جميل لهذه المبادرة على الإنترنت، باسم: مبادرة مسكني. والحقيقة أنني لم أتابع هذه المبادرة الإنسانية، ولا أعلم مدى تجاوب ملاك العقار معها، لكني مع احترامي للصديق الدكتور عبد الله الغذامي وتقديري لنبله وصدق نواياه، فإنني أشك بل أكاد أجزم أنها لن تؤدي إلى شيء يذكر. ذلك أن رجال الأعمال وملاك العقار هم سب رئيس من أسباب المشكلة، فلا يمكن أن يكونوا جزءً من حلها، ويستحيل أن يبادروا من تلقاء أنفسهم لحل مشكلة اخترعوها منذ سنوات بواسطة الإقطاع والاحتكار والمضاربات العقارية المفتعلة التي رفعت أسعار الأراضي إلى أرقام خيالية فوق طاقة البشر السعوديين. وذلك كله لكي يحتفظوا بمراكزهم المالية وأرصدتهم الفلكية التي تميّزهم وتفصلهم اجتماعياً ونفسياً عن بقية المواطنين.
فما العمل إذن؟ وهل يكتفي المواطنون البسطاء الذين احتُلّت أراضيهم وحرموا من بيوتهم بالصمت والاحتساب، والدعوة للمسؤولين بطول العمر.. إلى أن يأخذ الله أعمارهم القصيرة ويجزيهم على صبرهم واحتسابهم بيوتاً في الجنة.,؟
البيت هو مركز الكون بالنسبة للإنسان، فمن بيته يخرج الإنسان ليتعلم، ليتسوق، ليعمل، ليسافر، وليزور أصدقاءه.. ثم يرجع في نهاية المطاف إلى البيت. لابد لهذا الإنسان من نقطة مركزية صغيرة من الأرض، يشعر بملكيتها، يستقر فيها وينجذب إليها أينما ذهب، ويحس فيها بالأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.
البيت هو النواة الأولى للشعور بالوطن. فالمواطن بدون بيت يؤويه هو إنسان بلا وطن! ويا حبذا لو قرأ المسؤولون قصة الأطفال الرائعة: (البيت)، التي كتبها زكريا تامر، ليعلموا أن كل الكائنات على وجه الأرض، بما في ذلك الحيوانات والحشرات، لا بد لها من بيت.
لذلك، وكبديل للحلول السابقة التي ذكرتها، أقترح على المواطنين السعوديين الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وحُرموا من نعمة السكن، أن يختاروا يوماً من أيام السنة العصيبة التي مرت بهم، وليكن على سبيل المثال يوم صدور القرار بإنشاء وزارة الإسكان، ليقوموا بإحيائه كل سنة ويطلقوا عليه: يوم الأرض السعودي!

مقالات مشابهة

في أعماق الوادي المتصدّع!

في أعماق الوادي المتصدّع!

بينما يخوض إخواننا الفلسطينيون حرباً غير متكافئة مع عدو شرس، لكنه ظاهر للعيان، ومرئي.. نخوض نحن على جبهة أخرى حرباً غير متكافئة أيضاً، ومع عدو شرس هو الآخر.. لكنه غير ظاهر للعيان، وغير مرئي، ومخاتل، ولم نعلم بوجوده إلا بعد أن أوقع عدداً كبيراً من الضحايا بلغوا المئات...

ألهاكم التكاثر!

ألهاكم التكاثر!

لدي قناعة تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم، بأن وسائل التعليم الحالية ستصبح في يوم من الأيام جزءاً من تراثنا التعليمي المندثر، مثلها مثل “الكتاتيب” التي أدت دورها في مرحلة شفهية سابقة من حياتنا الاجتماعية، ثم اختفت بعد نشوء التعليم النظامي بوقت قصير.وربما تعود هذه القناعة...

حلم عربي يتحقق

حلم عربي يتحقق

الجامعة العربية المفتوحة هي أحد المشاريع العربية المؤجلة منذ ربع قرن، وهي أحد الأحلام العربية المكبوتة بفعل السياسة والحدود والأيديولوجيات، بل هي أم الأحلام العربية لما يعادل نصف المجتمع من جيل الشباب، الباحث عن مستقبل أفضل من مستقبل آبائه وأجداده.ولك أن تتخيل النتائج...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *