إضاءة
استطاعت الثورة المعلوماتية أن تضع حداً لاحتكار السلطات والنخب السياسية والدينية للمعلومات، وأتاحت للكتاب والقراء على حد سواء أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم بحرية مطلقة، لا تحدها حدود، ولا تقيدها قيود، سوى حدود المسؤولية الأدبية والأخلاقية، ومقتضيات الضمير الإنساني الفعال، وقد أصبح القارئ اليوم شريكاً مباشراً في صناعة الرأي، ولم يعد متلقياً سلبياً، أو وعاء فارغًا يتلقى المعلومات من طرف واحد.
لقد ظل احتكار المعلومات على مر العصور، وقمع الآراء الفكرية المخالفة للإجماع، سلاحاً ماضياً بيد وزارات الإعلام المشغولة بصناعة الرأي العام، وصياغة العقل الجمعي، وبيد رؤساء التحرير والمشرفين على وسائل الإعلام ومنابر الرأي، المكلفين بحجب الآراء المخالفة للمألوف والمعتاد، وتكفلت أجهزة الرقابة على المطبوعات بمنع الكتب ووضع قوائم طويلة بالمؤلفات المحرمة، وبالمؤلفين الخارجين على القانون، منذ مئات السنين، إلى وقتنا الحاضر.
غير أن هذا كله أصبح من التاريخ، ولم يعد له وجود فعلي بالمعنى الحرفي للكلمة، وأصبحت الكتابة، والتعبير عن الرأي، في ظل هذه الثورة التقنية المعلوماتية الهائلة، متاحة لكل الناس بلا استثناء، بعد أن انكسر احتكار السلطة للمعلومات إلى الأبد..!
من هنا، وبحسب تعبير الصديق العزيز محمد علوان، داهمني شعور دافئ وربيعي أن أكون “رئيس تحرير” لمرة واحدة في حياتي، بعيداً عن عيون رئيس التحرير ومعاونيه، وبعيداً عن أجهزة وزارات الإعلام ورقبائها.
سأكتب بحرية مطلقة لا تحدها حدود، ولا تقيدها قيود، سوى قيود الشعور المسؤولية، واحترام حق القراء بالمعرفة، وحق الوطن علينا بالصدق والأمانة، والسعي لتحقيق المصلحة العامة حيثما وُجدت. سأنشر في هذه المدونة المتواضعة ما أستطيع العثور عليه من مقالاتي وقصائدي القديمة التي تحتاج مني إلى جهد كبير للتنقيب عنها في أرشيفات الصحف والمجلات، التي نشرت فيها على مدى الأعوام الماضية.
ومن الغريب أنني وأنا أراجع ما نشرته في صحيفة الوطن في السنة الأولى لصدورها في مطلع الألفية الجديدة، وأحاول اختيار ما يصلح منها لإعادة نشره في المدونة، وجدت أنها كلها تقريباً صالحة لإعادة النشر، وأن الموضوعات والقضايا التي تطرقت لها في ذلك الوقت لا زالت باقية على حالها، ولا يزال الكتاب يكتبون عنها ويطرحونها للنقاش والتحليل يوميُا، وكأنها موضوعات جديدة، مما يدل على أن المسؤولين لدينا قد “جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا” وقرروا أن يمضوا في ما هم فيه من الإعراض واللامبالاة، وعدم الإصغاء إلى الأصوات الداعية للإصلاح، وكأنهم يقولون: أنت أيها الأخ، إنما تؤذن في مالطا!
لقد اخترت إطلاق المدونة في هذا اليوم الربيعي الجميل 21 / 3 / 2012م، الذي هو عيد الربيع، وعيد الأم أيضاً، وهو العيد الذي تصحو فيه الأرض من غفوتها، وتهتز وتربو، لتبدأ دورة جديدة من البذل والعطاء، وتخرج لنا من طيباتها وخيراتها وجمالها الآسر الخلاب ما يأسر قلوبنا، ويخلب ألبابنا، ويمنحنا شعورًا جديداً بتجدد الحياة، ونمو الكائنات، وتعاقب الفصول، في إشارة رمزية أبدية إلى استئناف الحياة وانبعاثها الدائم، برغم كل أسباب الموت وعوامل الفناء التي تحيط بها…!